سأخوض اليوم في مقال لا أدري إن كان مختصاً في أخلاقيات السوق والتجارة أو أخلاقيات العمل بشكل عام، أو أنها تخص أخلاقيات التنافس العام بين البشر في الفن والعلم والرياضة، قد يكون يجمع بين هذا وبين ذاك.
ما دفعني لكتابة هذا المقال هى رواية الكاتب بيتر شيفر عن حياة الموسيقي فولفانج موتسارت، كان هذا الموسيقي الشهير الذي لا بد وأن تكون سمعت إحدى مقطوعاته في فيلم كارتون أو برنامج أو في فندق أو بمطعم، وأنت لا تدري أنك تسمع لموتسارت، هذا الاسم الشهير في عالم الموسيقى كان رجل شهواني متعجرف ولا يجيد احترام أحد وعلاقاته مفككة سواء مع والده أو زوجته.
وتسبب هذا في بغض الكثيرين من حوله وأولهم بالتأكيد منافسه الأول في مدينة فيينا النمساوية وهو الموسيقار الإيطالي أنتونيو سياليري، الذي حاربه وحاول إفساد علاقته مع البلاط الملكي وقطع سبل الرزق لديه، ونجح في ذلك ثم حاول في مرة ثانية التفكير في قتله حتى رآه في إحدى العروض الأوبرالية يسقط على المسرح مغشياً عليه، قاده سالييري لبيته وبدلاً من أن يجد طريقة ليتشفى بها فيه وجد نفسه يساعده لإتمام آخر مقطوعاته وهو في فراش الموت.
رحل موتسارت عن العالم وظل سياليري تلاحقه عقدة الذنب، في الحقيقة كان سياليري مفتون بسحر وأعمال موتسارت حتى في أوج التنافس الشرس بينهما، كان مبهوراً بتلك الموهبة إلى أشد درجة، على الرغم من كرهه لموتسارت بتصرفاته و طائشيته في التعامل مع الغير لكنه لم يستطع يوماً التقليل من براعته وعبقريته.
ظل سالييري يمدح ويتغنى ويعظم في "أماديوس موتسارت" وظلت عقدة الذنب تلاحقه لأكثر من 30 عاماً لأنه يعتقد أنه تسبب في إنهاء حياة موهبة من السماء، كان ينظر للمقطوعات التي ألفها النمساوي موتسارت وتكاد كل قطعة من جسده تتحرك وتثور انفعالاً وتأثراً ببراعة عدوه اللدود ولأنه حاربه في حياته قال: " موتسارت..فلتسامح قاتلك"!.
من منا لديه ثقافة أنتونيو سالييري في تقديره الشديد لعدوه، هى رسالة في قمة التحضر والرقي تبين لنا كيف أن المسائل الشخصية والحب والكره- الذي لا يعتمد على موازين معينة ويختلف من شخص لآخر- لا يجب أن يكون عائقاً لاعترافنا ببراعة الغير، وإلا ستكون المكابرة عائقاً للتطور والسير للأمام.
لا تحب عدوك ولست مطالباً بذلك، لكن لا تبغضه بشكل يجعلك تتجاهل ولا تعترف بأي ميزة فيه وتراه اسوأ من على وجه البسيطة، النجاة في أن تقدر ما يتميز به وتتعلم لتكون مثله أو أفضل أو أقرب، ستكسب الكثير ولن تكون مطالباً بإبداء مشاعر سلبية ترهقك وتثقلك دوماً.
ملاحظة : تم تحويل الرواية لعمل سينمائي في 1984 بعنوان"أماديوس" وهو الإسم الثاني لموتسارت وفيما يلي مقطع منه:
http://www.youtube.com/watch?v=A5BpzmTIZMU&feature=player_embedded
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق